في يوم أُحُد وبعد حصول فتنة الغنائم ودخول الدنيا إلى قلوب الصحابة وانقلاب مجرى المعركة من نصر إلى هزيمة تزعزع الصفّ وانفرد المشركون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ومجموعة معه، وشاع بين الناس مقتل رسول الله فانقسم جيش المسلمين إلى ثلاث فئات:
• فئة فرَّت من المعركة، وتركت ساحة الجهاد.
• وفئة انحازت إلى مكان وقعدت ورمت بالسلاح.
فمنهم من خرج لأجل محمد بن عبد الله صاحب الإمامة والجاه، ولقد قُتِل القائد محمد بن عبد الله وما عاد للقتال من جدوى، أو لأجل القبيلة، أو لأجل الشجاعة والحميّة.. فلم وصلهم خبر مقتل القائد وتغيّر الحال ظهرت حقائق نيّاتهم .
• والفئة الثالثة استمرت في القتال، ولم تضع السلاح، فلقد كانت نيّاتهم صافية، خالصة لله وحده لا شريك له، لم تشوبها شائبة.. وكان من تلك الفئة: أنس بن النَّضر الخزرجي رضي الله عنه، لمّا انكشف المسلمون ورأى من بعضهم قعودًا سألهم فابلغوه بمقتل رسول الله، قال:
( ما تصنعون بالحياة بعده! فقوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.. اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني من قعد وفرَّ ـ ، وأبرأ مما صنع هؤلاء ـ يعني المشركين ـ ) .
ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال:
( يا سعد بن معاذ! الجنة وربِّ النَّضر، إني أجد ريحها من دون أُحُد ) .. فقاتل حتّى قُتِل.
ومن هذه الفئة: حمزة بنِ عبد المطلبِ، ومصعب بن عميرٍ، وعبد الله بن جحشٍ، وحنظلة غسيلُ الملائكةِ، وعبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر، وخيثمة، وعمرو بن الجموح، وأبي حذيفة بن اليمان.. وغيرهم من سادة الصحابة رضوان الله عليهم.
واليوم لو استبدلت إشاعة مقتل رسول الله بغيرها من الأحداث والفتن والخلافات التنظيمية والمنهجية والشخصية الحالية ستجد أن هذه الفئات تتكرر وتعود من جديد وتفترق الناس إليها، ما بين فئة فارٍّة من الزحف هاربة من الساحة، وفئة قاعدة عن الجهاد امتلأ قلب أصحابها من اليأس والتنازع وحبّ الدنيا، وثالثة ثابتة على الجهاد لم تزدها المِحنُ والفتن إلا ثباتًا على الطريق، وعزمًا على المسير، وهجرةً إلى الثغور والميادين، مهما تقلّبت الأحداث وتعاقبت الخلافات فإنها لا تساوم في السلاح والنفير أبدًا، ولا تُخضعهما للأزمات النفسيّة، ولا تدخلهما في سوق الابتزاز!
📍فدونك أيها المسلم هذه الثلاث: فارّة، وقاعدة، وثالثة ثابتة.. بعد الاختيار لا تلومنّ إلا نفسك!
﴿ وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق