المكان روما، والزمان عام 37 للميلاد حيث تولى كاليغولا عرش الإمبراطورية الرومانية، فعمت الأفراح أرجاء الإمبراطورية، الشعب كان سعيدا جدا بإمبراطوره الجديد بعد أن ذاق المر والهوان على يد الإمبراطور السابق طبريوس، الذي أرهق الناس بضرائبه ومظالمه. وسرعان ما أثبت الإمبراطور الشاب جدارته بحب الجماهير، إذ قام بخفض الضرائب، وأجرى إصلاحات ورفع مظالم كثيرة. لكن ذلك لم يدم طويلا، فبعد سبعة أشهر فقط على توليه العرش،
أصيب كاليغولا بمرض غامض عجز الأطباء عن علاجه، وكان من الضراوة بحيث يأس الجميع من شفائه وأيقنوا بهلاكه. لكن على عكس كل التوقعات، فاجأ كاليغولا الجميع وشفي من مرضه. غير أنه لم يعد ذات الشخص الذي كان عليه قبل المرض، تغيرت شخصيته بالكامل،
أصبح ساديا وجشعا وفاسقا وشديد القسوة، راح يقتل الناس ويصادر أموالهم ويغتصب نساءهم بسبب وبلا سبب، وتدنى في فسوقه ورذيلته بحيث لم يترك امرأة في البلاط إلا واغتصبها، لم تسلم من ذلك شقيقاته الثلاث أجريبينا وليفيلا ودورسيلا، والأدهى من ذلك أنه أفتتح بيوتا للدعارة داخل قصوره وأجبر نبلاء وأشراف روما على العمل كقوادين فيها على زوجاتهم ونسائهم!.. وكان ريع تلك المواخير يصب في جيب كاليغولا. ليت الأمر توقف عند هذا الحد، فجنون كاليغولا فاق كل تصور، إذ جعل لنفسه تماثيل ومعابد في طول البلاد وعرضها
وأجبر الناس على عبادته. وأخذ جيشه الجرار إلى شواطئ بحر المانش الفاصل بين فرنسا وانجلترا لكي يجمع جنوده الصدف على الساحل ثم عاد بهم إلى روما!.. وأعاد فرض الضرائب الثقيلة والمرهقة على كاهل الشعب حتى صار الناس يترحمون على أيام طبريوس عملا بالمثل القائل : "جرب غيري .. تعرف خيري". وقد وصل به الأمر أن أصدر أمراً بتعيين حصانه عضوا في مجلس شيوخ روما،
وبهذه المناسبة، أقام كاليجولا حفلاً كبيراً على شرف حصانه دعا إليه كبار رجال الدولة، والأعيان، وكان من شروط الدعوة ارتداء الملابس الرسمية.. وقد حضر الضيوف في أبهى حللهم.. لكن المفاجأة التي أدهشتهم تكمن في نوعية الطعام المقدم إليهم في ذلك الاحتفال، ولما تردد البعض منهم في تناوله قال لهم الامبراطور: «ما لكم لا تأكلون؟!». فرد عليه أحد الحضور قائلا: «مولاي كاليجولا.. كيف تريد منا أن نأكل الشعير والتبن، وهو طعام الجياد؟!». فما كان من الامبراطور إلا أن غضب، وصاح فيهم: «إنه لشرف كبير لكم، أن تتناولوا في صحائف من ذهب، نفس طعام حصاننا (تاتوس)!!». ثم أمرهم قائلا: «.. هيا كلوا.. واشربوا.. فطفقوا يأكلون التبن والشعير عدا السيد (براكوس كانا) الذي رفض الأكل وغادر الحفلة غاضباً. موبقات كاليغولا كثيرة، يطول المقام بذكرها، لكن لحسن حظ روما فأن عهده البغيض لم يدم طويلا، إذ اغتيل على يد حراسه عام 41 ميلادية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق