قبل حوالي 252 مليون عام شهدت الأرض حدثا مأساويا واسع النطاق، تسبب في مقتل أكثر من 95% من المخلوقات التي كانت تعيش على الأرض على مدار مئات الآلاف من السنين. ومن شدة بشاعته، أطلق العلماء على هذه الكارثة أسماء تعبر عن مدى أهميتها في تاريخ الكوكب الأزرق مثل "الموت العظيم".
وعلى مدار عقود، تباينت استنتاجات العلماء والباحثين في علوم الأرض بشأن تحديد أكثر أسباب الموت العظيم ارتباطا به، وفي دراسة نشرت مؤخرا بدورية "نيتشر كوميونيكشنز" يشير فريق الباحثين إلى أن الزئبق المدفون بالصخور القديمة يوفر أقوى دليل حتى الآن على أن البراكين هي المتسبب بأكبر انقراض جماعي في تاريخ الأرض.
الفريق المعد لهذه الدراسة -والمكون من علماء حفريات من جامعة "سينسيناتي" الأميركية وجامعة علوم الأرض" بالصين- قالوا إنهم وجدوا طفرة في الزئبق بالسجل الجيولوجي في عشرة مواقع حول العالم، مما يوفر أدلة واضحة على أن الانفجارات البركانية كانت مسؤولة عن هذه الكارثة.
رواسب الفحم
يقول المؤلف الرئيسي بالدراسة "جون شين" -الأستاذ المشارك في جامعة الصين لعلوم الأرض- بتصريح للجزيرة عبر البريد الإلكتروني "الأنشطة البركانية، بما في ذلك انبعاثات الغازات البركانية واحتراق المواد العضوية، أطلقت الزئبق بكميات وفيرة على سطح الأرض".
ووقع الانقراض الجماعي الفترة التي تربط العصرين البرمي (الفحمي) والترياسي. وأفنى الانقراض الكثير من الحياة البرية والبحرية قبل ظهور الديناصورات. وكان بعض هذه الكائنات التي فنيت وحوشا تعود لعصور ما قبل التاريخ، مثل حيوانات "جورجونوبسيا" الشرسة التي بدت وكأنها مخلوق مهجن من الـ "سنور سيفي الأنياب، تنين الكومودو"
ووفقا لـ "شين" فإنه من المعتاد إطلاق الكثير من الزئبق في الجو عندما تحدث الثورانات البركانية الضخمة، مشيرا إلى أن "الزئبق يعد مؤشرا جديدا نسبيا للباحثين في ما يتعلق بدراسة التأثيرات البركانية على الأحداث الكبرى في تاريخ الأرض".
وقد استخدم الباحثون الأسنان المتحجرة الحادة لمخلوقات "مخروطيات الأسنان" التي تشبه ثعابين البحر، حتى يتمكنوا من تأريخ الصخور التي ترسب فيها الزئبق.
كانت الانفجارات قد أطلقت ما يصل إلى ثلاثة ملايين كيلومتر مكعب من الرماد والغازات السامة بالهواء خلال فترة الثوران، لدرجة رفعت درجة حرارة الكوكب بمعدل عشر درجات مئوية في المتوسط.
وكان للمناخ الحار جدا دور في حدوث "الموت الكبير" كما أسهمت الأمطار الحمضية أيضا في ذلك عن طريق تلويث مساحات شاسعة من المسطحات المائية وزيادة حموضة المحيطات العالمية، إضافة إلى انخفاض نسبة الأكسجين في الأعماق السحيقة للمحيطات.
إرهاصات انقراض سادس
يقول شين "يمكن أن يلقي انقراض العصر البرمي الضوء على الكيفية التي قد يؤدي بها الاحتباس الحراري اليوم إلى الانقراض الجماعي في المستقبل.
فإذا كان الاحترار العالمي بالفعل مسؤولا عن "الموت الكبير" فما التهديد الذي يمثله الاحتباس الحراري للبشر والحياة البرية اليوم؟". وأضاف شين أن إطلاق الكربون في الجو بسبب الأنشطة البشرية يشبه الوضع بالعصر البرمي المتأخر، حيث تم إطلاق الكربون الوفير من براكين سيبيريا.
ويتوقع الباحثون أن يكون الأشخاص الذين يعيشون في بيئات هامشية -مثل الصحاري القاحلة- هم أول من سيعاني من إرهاصات الانقراض السادس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق