ما زال الفلسطينيون، كما الإسرائيليين، في حالة من عدم تصديق أن "الجيش الذي لا يقهر" ابتلع الانتكاسة التي أصيب بها في غزة خلال الأيام الأخيرة، رغم أن مظاهرها كانت موثقة صوتا وصورة، عبر المشاهد التالية:
- إفشال العملية الأمنية للقوة الإسرائيلية الخاصة على مشارف مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، ومقتل الكولونيل الكبير وإصابة آخر، رغم خسارة الفلسطينيين باستشهاد سبعة من خيرة كوادر المقاومة، وظهور إخفاقات أمنية واستخبارية من قبل أجهزة إسرائيلية تعد على الفلسطينيين أنفاسهم، أو هكذا تزعم.
- عملية إطلاق صاروخ الكورنيت باتجاه الحافلة العسكرية الإسرائيلية على حدود غزة، في وضح النهار، والاعتراف الإسرائيلي بسقوط خسائر بشرية، وتشكيل لجنة تحقيق فورية لمعرفة أسباب هذا الإخفاق العسكري.
- استهداف منشآت ومبان في مستوطنات غلاف غزة ومدينة عسقلان، وخروج صور هدمها، وعلوق المستوطنين تحت أنقاضها، ومقتل وإصابة عدد منهم، مما طرح أسئلة كثيرة حول جدوى القبة الحديدية في التصدي لهذه الرشقات الصاروخية الفلسطينية..
هذه الإخفاقات التي شكلت أضلاعا ثلاثة لمثلث الفشل الإسرائيلي في هذه الجولة، كان من المتوقع وفق الفهم التقليدي للسياسة الإسرائيلية أن يتبعها عدوان غاشم يسقط شهداء وجرحى بأعداد مضاعفة عما ارتقى من الفلسطينيين من الضحايا، لكن ما حصل مغاير لهذه التقديرات، التي شارك فيها الفلسطينيون والإسرائيليون معاً.
خرجت الاحتجاجات الإسرائيلية على ما سمي بتآكل الردع أمام المقاومة الفلسطينية إلى العلن، لم يكن أصحابها من الإسرائيليين العاديين، ولا من المعارضة الانتهازية لتوجيه مزيد من الاتهامات للحكومة القائمة بالفشل والعجز والقصور، ولا من المحللين والصحفيين الذين سنوا سيوفهم لجز رقاب خصومهم من الوزراء، وعلى رأسهم نتنياهو ذاته، ولا من الجنرالات الذين أرادوا تسجيل نقاط أمام الرأي العام الإسرائيلي بأنهم الأجدر والأحرص..
خطورة الإخفاق الإسرائيلي الأخير في غزة تمثلت بصدور أشبه ما يكون باعترافات من داخل الائتلاف الحكومي الحاكم، سواء ما تجلى منها باستقالة وزير الحرب، أو المزاودين من أحزاب أخرى مشاركة في صناعة القرار، أو بصدور مواقف من المقربين من دائرة نتنياهو، بأنه كان بالإمكان أفضل مما كان.
كاتب السطور لم ينته بعد من قراءة وترجمة عشرات المقالات والتحليلات والقراءات الإسرائيلية التي خرجت بقناعات متزايدة عنوانها الأساسي: خسرنا هذه الجولة، وفقدنا بعضا من صورتنا الردعية، وتراجعت أسهم إسرائيل في المنطقة، واستطاع عدد من المقاتلين الفلسطينيين المحاصرين في غزة أن يوجهوا صفعة للدولة الأقوى في المنطقة.
أما لماذا لم ترد إسرائيل على هذه الإهانة، ولم تتعامل مع المقاومة بالمنطق التقليدي المتمثل بالخيار النيروني، كما جرت العادة، فمكانه في هذه السطور يوم غد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق